بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

التجربة اليابانية في تطوير مناهج الرياضيات (1)


استعرض لكم هذه المرة التجربة اليابانية في تطوير مناهج الرياضيات، والحقيقة أن سبب اختياري لها تحديداً لأسباب، منها:
1- أن اليابان دولة تمثل انتقالاً منطقياً منظماً من قمة التخلف، والمعاناة إلى الريادةفي أغلب المجالات ومنها تعلم وتعليم الرياضيات.
2- أن عاملي البساطة والبهجة في التطوير يضفيان سحراً على هذه التجربة.
3-احترام المكون الثقافي والاجتماعي، والنظر بعين الاعتبار إلى الإمكانات المتاحة دون إفراط أو تفريط.
4- أسلوب حل المشكلات لدى المعلم الياباني، تجربة لطيفة وجديرة بالتأمل.
وقبل البدء فلابد من إلقاء الضوء على اليابان كدولة والتعرف على سماتها العامة كدولة طبيعية لديها مشكلاتها وعقباتها التي تسعى للتغلب عليها.
اليابان:
اليابان وتعني مصدر الشمس أو مَشرق الشمس، تقع في شرق آسيا، بين المحيط الهادي وبحر اليابان وشرق شبه الجزيرة الكورية، وتتكون اليابان من جزر عديدة (حوالي ثلاثة آلاف جزيرة)، أربع من هذه الجزر تعد الأهم والأكبر على الإطلاق، وهي على التوالي من الجنوب إلى الشمال  كيوشو شيكوكو هونشو، هوكايدو. وتنفرد كل منطقة بلهجتها الخاصة وعاداتها وتراثها التقليدي. وتختلف اختلافًا كبيرًا في كل شيء بدءًا من مذاق الأطعمة وحتى نوع الفنون التمثيلية التقليدية. وبالنسبة للطبيعة الجغرافية فإن المناطق الجبلية تشغل ما يزيد عن 70% من أرض اليابان، لذا تتركز المدن الكبرى في السهول المتبقية التي تشكل أقل من 30% من المساحة البالغة 378000 كيلومتر مربع، وتعادل سدس مساحة المملكة العربية السعودية، وثلث مساحة مصر.
تقع معظم اليابان في المنطقة المعتدلة الشمالية ويسودها طقس موسمي رطب. وغالبًا ما تعاني اليابان من الكوارث الطبيعية الخطيرة مثل الأعاصير والانفجارات البركانية والزلازل. وعلى الرغم من أن هذه الكوارث يمكن أن تودي بأرواح الكثيرين، كما حدث في زلزال هانشين ـ أواجي الكبير في يناير 1995م وزلزال نيغاتا تشوإيتشو في أكتوبر 2004م - إلا أن اليابانيين يعملون جاهدين منذ عدة سنوات لتقليل آثارها المدمرة. وتستخدم اليابان أحدث التقنيات لتصميم مبان مقاومة للزلازل ومتابعة مسارات العواصف بمنتهى الدقة.
ونظراً لضعف الموارد الطبيعية، فإن اليابان تعد من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدمًا في مجال التصنيع في العالم. إذ أن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محليًا أو يتم تصديرها. كما يعد عِلم استخدام الإنسان الآلي أحد أهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي، والذي تتفوق فيه التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم.
أيضاً تعاني اليابان من احتلالها مرتبة منخفضة بين الدول الصناعية فيما يتعلق بالاكتفاء الذاتي من الغذاء رغم ثروتها السمكية الهائلة. الأمر الذي يعني أن عليها القيام باستيراد كميات كبيرة من غذائها من الخارج.
كما يعتبر المجتمع الياباني من بين الأكثر الشعوب شيخوخة في العالم. فقد تناقص معدل الإخصاب بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية ثم مرة أخرى في منتصف السبعينات عندما رفضت النساء ترك العمل والعودة إلى المنازل، ولذلك تهتم الحكومة بعقد مناقشات مكثفة لإيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة.
وهذه المقدمة المستقاة نصياً من الويكيبيديا تعرض اليابان كبلد طبيعي يعاني من مشكلات وعراقيل كغيره من دول العالم إلا أن الإصرار العجيب على المواجهة والصبر والتطوير آتت أكلها.[1]
نبذة موجزة عن تطوير مناهج الرياضيات في اليابان:
بدأت حركة اصلاح مناهج الرياضيات في اليابان، ما بين 1970 – 1980م، وكان أحد أهم الجوانب الرئيسية للإصلاح والتطوير هو التحول من الفصول الدراسية التقليدية التي تركز على المعلمين في التعليم، إلى الفصول الدراسية التي تركز على الطالب وعلى مشاركة الطلاب في الأنشطة المرتبطة بالرياضيات. وخلال هذه الحركة الإصلاحية، فقد عمل المربون والمعلمون معا لإيجاد سبل لتنفيذ أفكار تدريس الرياضيات الإصلاح والتعلم من خلال عمل مراجعة وتأمل لمختلف الوثائق المنشورة في الولايات المتحدة وشمل ذلك التركيز على تقرير المجلس القومي للبحوث الصادر في عام (1989) والمعنون بـ"الجميع يستطيعون العد: تقرير إلى الأمة حول مستقبل تعليم الرياضيات"  “Everybody Count: A Report to the Nation on the Future of Mathematics Education,” وكذلك التقرير المعنون بـ"المناهج والتقييم معايير لمدرسة الرياضيات " “Curriculum and Evaluation Standards for School Mathematics" ” والصادر عن الـNCTM. كما تمت مراجعة الافتراضات الأساسية للإصلاح والتطوير والقائمة على تمكين الطلاب من التعلم عن طريق بناء تصوراتهم الخاصة الرياضيات. والعمل على تحويل المتعلم من متلقي سلبي إلى إيجابي فاعل.
وقد عانت المناهج اليابانية كما عانى غيرها من المناهج في العالم من مشكلات متلاحقة تتعلق بالأداء الطلابي والتاريخ النضالي لليابان، فعلى سبيل المثال أعطت نتائج أولية لاختبار PISA ملاحظات مخيبة للآمال حول الأداء الطلابي في الرياضيات والذي تمثل في ضعف قدرتهم على الاستيعاب القرائي للمشكلة الرياضية، والقدرة على صياغة مشكلة تتعلق بمفهوم رياضي ما، كما أن التاريخ الياباني المتعلق بالقنبلة الذرية والوحشية التي تعرضوا لها في ذلك مست صميم الكرامة اليابانية، وجعلت التفكير في إصلاح التعليم أحد طرق مواجهة هذا الإهانة. ولذلك فإن أهم المحاور التي من أجلها قام تطوير المناهج عموماً والرياضيات بصفة خاصة في اليابان هو -هذا التطوير كان من 2009 وحتى اكتمال التطبيق له في 2011 - :
1-              إصلاح المناهج الدراسية بناء على تعديل القانون الأساسي للتعليم. وهذا القانون يستهل مقدمة حماسية عن شجاعة الشعب الياباني وقدراته والقضايا التي ترتبط بتميز المواطن الياباني، وإعلاء شأنه، وهو بلا شك أمر مرتبط بتاريخ اليابان ونضالها لمواجهة الإذلال الذي عانته في الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن السمعة القديمة للياباني في العالم والتي ارتبطت بالضعف والغباء والكسل. مما حفز المواجهة من خلال قوانين التعليم كأحد عناصر المواجهة وتغيير الواقع المرير لهم آنذاك.
2-              تأسيس مفهوم مشترك لـ"حب الحياة".
3-              اكتساب المعرفة والمهارات الأساسية.
4-              تعزيز القدرة على التفكير واتخاذ القرارات، والتعبير عن ذلك.
5-              اعتماد الساعات اللازمة من الحصص الدراسية لاكتساب القدرات الأكاديمية الصلبة.
6-              تحفيز الطلاب على التعلم ومساعدتهم على تطوير عادات دراسية سليمة.
7-              إثراء التدريس لتعزيز عقول غنية وبصحة بدنية جيدة.
ووفقاً لما ذكر أعلاه فقد تم وضع أهداف عامة لإصلاح المناهج وتطويرها في الرياضيات لجميع المراحل وتمثلت في:
(أ) النظر للتحديات والمشكلات الرياضية كفرصة لاكتساب الطلاب والمهارات الأساسية، وتطوير القدرة على التفكير والتعبير الرياضي، وزيادة دافعيتهم للتعلم في جميع المراحل وفقا لمرحلة تطورهم.
(ب) المعرفة والمهارات بالنسبة للأعداد والكميات، والأشكال الهندسية أساسية وجوهرية هي
الأساس للحياة اليومية والتعلم. ومع تقدم التكنولوجيا العلمية، فإنه مهم الآن أكثر من أي وقت مضى وذلك لتوفير منافسة دولية في الرياضيات والعلوم. مع الاهتمام بتطوير التدرج المعرفي بصورة حلزونية.
(ج) التفكير الرياضي والتعابير الرياضية يلعبان دوراً هاماً في التفكير العقلاني والمنطقي وكذلك في
التواصل الفكري. ولهذا السبب، ينبغي أن يعزز المحتوى والأنشطة التعليمية التي تعزز التفكير الرياضي والتعبير عنه بصورة واضحة. عن طريق المنطق، وفهم الصلات بين المصطلحات والأعداد والعبارات الجبرية، والجداول والرسوم البيانية. إن هذا النوع من التعليم سوف أيضا يسمح للطلاب لتعلم الاستخدام المناسب لتلك التعابير وأساليب التفكير في حل المشكلات.
(د) من المهم تحفيز الطلاب على تعلم الرياضيات، والاستفادة مما تم تعلمه.
وقد كان الجهد المبذول في تطوير مناهج الرياضيات لجميع المراحل لافتاً للنظر من حيث حيويته، ومرونته، وارتباطه بحل المشكلات والجانب الثقافي، فعلى سبيل المثال فقد كانت أهم النقاط التي ارتكز عليها التطوير ومراجعة المناهج السابقة بالنسبة للمرحلة الثانوية هي:
1-             تطوير الأهداف الخاصة بتعليم الرياضيات للمرحلة الثانوية الدنيا (تقابل المرحلة المتوسطة لدينا):
أ‌-                 تجربة البهجة والمتعة فيتعلم الرياضيات وتقدير قيمتها.
يجب أن نولي اهتماما ليس فقط لمجرد الاستمتاع بالأنشطة ولكن أيضا على الجانب النوعي، وهذا هو كيف يمكن جلب النمو الفكري للطلاب من خلال تلك المتعة. وتحفيز الطلاب على المشاركة بنشاط
في دراسة الرياضيات. كما أن تقدير قيمتها يتمثل من خلال حلها للمشكلات، وتطوير المفهوم الرياضي وأساليب التفكير وقد يكون من المفيد معرفة أهمية الرياضيات في الحياة اليومية وارتباطها بالتقنيات العلمية.

ب‌-           لزيادة القدرة على دراسة وتمثيل الظواهر رياضيا.
من الضروري لزيادة القدرة على دراسة الظواهر رياضيا فهم الخصائص الرياضية للظاهرة ويشمل ذلك تمثيل خصائص كمية وأشكال هندسية على نحو ملائم، وإعطاء تفسيرات مقنعة بلغة منطقية واضحة، والتواصل مع أفكار الآخرين الخاصة.
ت‌-           لتعزيز القدرة على التفكير واتخاذ القرارات باستخدام الرياضيات:
من المهم توضيح الغرض من استخدام الرياضيات، وتوفير الفرصة للطلاب للتفكير واتخاذ القرارات باستخدام الرياضيات، ومساعدتهم على فهم فائدة الرياضيات ودور الخبرة والممارسة في ذلك.
2-              تطوير المحتوى الخاص بتعليم الرياضيات للمرحلة الثانوية الدنيا.
أ‌-                 تطوير معلومات عن هيكل المحتوى ومجالاته والأنشطة الرياضية التي يتضمنها:
حيث تم زيادة مجالات المحتوى من ثلاثة إلى أربعة التالية: "الأعداد والتعابير الجبرية"، "الأشكال الهندسية"، "الدوال"، و"جمع وتحليل البيانات". حيث تم التفصيل في كل مجال وتعيين الأنشطة الخاصة به وتوفير المحتوى الكامل له في أدلة المعلمين، والمقرر الدراسي للطالب.
ب‌-           تطوير محتوى محدد:
من أجل السيطرة على المعرفة والمهارات الأساسية وتطوير القدرة على التفكير، واتخاذ القرارات، يجب على الطلاب استخدام ما تعلموه في المرحلة الابتدائية. كما يجب إعادة
النظر في تطوير القدرة التنافسية الدولية في مرحلة التعليم الإلزامي. ولذلك فقد تم تطوير مواضيع دراسية معينة في المحتوى لتحقيق ذلك. والجدول أدناه يمثل موضوعات تم ترحيلها من المرحلة الثانوية إلى الابتدائية والعكس، وكذلك موضوعات جديدة تمت إضافتها.

ت‌-           عن طريقة مناقشة المحتوى في أدلة المعلم:
حيث قدم توصيف للعبارات المستخدمة في دليل المعلم وكيفية التعامل معها وما هي مراميها، فعلى سبيل المثال كلمة "استخدام .." معناها أن يستخدم التعبير الرياضي في الموقف المعطى والظاهرة المدروسة، وما المقصود " بأن على الطلاب أن يعرفوا، وأن على الطلاب أن يفهموا والفرق بينهما.
3-             تطوير يتعلق بالتخطيط للتدريس والتعامل مع المحتوى:
أ‌-                 بناء وتوفير فرص متنوعة لإعادة التعلم.
ب‌-           العمل على توفير المزيد من الأنشطة الرياضية الإثرائية:
وتتضمن:
• الاستمتاع بالأنشطة الرياضية والغرض من التجريب وتقدير الرياضيات.
• المشاركة في الأنشطة الرياضية مع اختلاف المنظور وانعكاسات ذلك على تحسين التدريس.
• تبادل نتائج الأنشطة الرياضية والممارسات في ذلك الجانب.
ت‌-           دور المشاريع في التعلم:
نظراً لإمكانية تطويع المحتوى من خلالها ومساعدتها على تعزيز مشاركة الطلبة في الأنشطة الرياضية.
وقد طال التطوير جميع المراحل حتى الابتدائية والثانوية العليا والتفاصيل الخاصة بتطويرها كثيرة يمكن الاستفادة والرجوع لها على روابط مجانية على الانترنت.[2]
ولإلقاء الضوء على المزيد من عمليات التطوير وكيف أثرت في المحتوى التدريسي والتدريس في الفصول فقد عمد مجموعة من الباحثين لمتابعة المقررات اليابانية ومتابعة الأساليب التدريسية لتعيين خصائص عامة للمنهج الياباني وللدروس اليومية. ونشرت تلك الأبحاث في مجلات عالمية، حيث اختير أحدها لاستعراضه هنا، وهو يهتم بعرض نتائجه ومستوى توافقها مع الأبحاث التي عالجت هذا الموضوع.

هناك تعليق واحد: