بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

التجربة اليابانية لتطوير مناهج الرياضيات (2)

الخصائص اليابانية لدروس الرياضيات:
تتمحور الدروس في الرياضيات اليابانية حول تفعيل دور الطالب في حل المشكلات!! وعلى الرغم من أن الممارسات الجيدة تختلف من معلم لآخر إلا أن معظمهم يتفقون على أن الرياضيات المدرسية اليابانية كانت تتأثر بشدة بالتركيز على حل المشكلات كتطبيق عملي جيد لعملية الإصلاح والتطوير لمناهج الرياضيات. وقد وصف ستيجلر وهيبرت دروس الرياضيات اليابانية بأنها تقوم على " بناء هيكلية لحل المشكلة " structured problem-solving approach وقد خلصا أيضاً إلى أن:
1-               المعلمون يتمتعون بأدوار ضئيلة من حيث العمل على حل المشكلات، مما يسمح للطلاب بالعمل على اختراع الإجراءات الخاصة بالحل. وقد نبها على صعوبة المشكلات المعطاة للطلاب، سواء من الناحية الإجرائية أو المفاهيمية. ولذلك يميل الطلاب لأساليبهم في الحل ويفضلونها على تلك التي يقدمها لهم معلموهم.
2-               الاعتناء بمفاهيم جورج بوليا عن حل المشكلات والخطوات الأربع في ذلك، مع التركيز على تطوير وتنمية التفكير الرياضي.
3-              واحدة من التأكيدات في عملية التطوير لمناهج الرياضيات هو ارتباطها بإيجاد أساس متين للمشكلة من خلال استعمال أسلوب القصة في تعليم وتعلم الرياضيات. علماً بأن المناهج قبل عملية التطوير هذه كانت تحترم استعمال القصة وتبني هيكلية المناهج في الرياضيات عليها.
4-              واحدة من أهم أوجه قوة المنهج الرياضي الياباني هو التركيز على العامل الثقافي، من خلال ارتباط المشكلات بواقع الطلاب وبيئتهم، لتعزيز الاستيعاب وللنظر للرياضيات كبوابة لخدمة المجتمع وحل مشكلاته، وليس للنظر كمادة دراسية الهدف منها إحراز نتائج والحصول على الدرجات، وهي وجهة نظر طريفة طرحها أحد المعلمين في مدونة تهتم بالمناهج اليابانية وتقارنها بنظيرتها الأمريكية.
5-              أيضاً تتمثل قوة المناهج اليابانية الرياضية في توفير بيئة صلبة متماسكة ومتعاقبة لتعلم الرياضيات في المرحلة الابتدائية، حيث تمت الإشارة إلى التركيز في المرحلة الابتدائية على اتقان العمليات والتعاطي مع خصائصها لتجويد الحساب والاهتمام بالحساب الذهني، وتويع ذلك من خلال حل المشكلات، مع تأجيل التعامل مع الآلات الحاسبة لمزيد من التمكن، وهو ما انعكس على نتائج الأداء الدولي لطلاب اليابان أمام نظرائهم في الدول الأخرى.[1]
6-              أيضاً اهتمت في عملية التطوير بالتركيز على الموارد المتاحة في كتابة القصة والتخطيط للدرس مع التركيز على تنمية التفكير الرياضي.
7-              أولت وزارة التعليم اليابانية تدريب المعلم الياباني، والباحثين، والإداريين بشكل تعاوني من خلال دراسة الدروس والتأمل فيها مما حظي بنتائج جيدة في مجال التطوير المهني في اليابان.
للمزيد من المعلومات حول دراسة الدرس في اليابان وطبيعته ودوره في تطوير المعلمين يرجى متابعة لروابط أدناه


8-              على الرغم من أن اليابانيين اعتمدوا في بنيتهم البحثية النظرية في حل المشكلات على وثائق وبحوث التربويين وأصحاب الشأن في الولايات المتحدة، إلا أنهم يختلفون عن الأمريكيين من حيث أن الأمريكيين يهتمون بحل المشكلات كمدخل لتطوير المهارات والاستراتيجيات المرتبطة بها. ونتيجة لذلك، فإن دروس الرياضيات في الولايات المتحدة تركز عادة على عملية حل المشكلة وليس بالضرورة على تطوير المفاهيم والمهارات الرياضية، مما يعني أن حل المشكلة هو الغاية والهدف. في حين أن اليابانيين غالبا ما ينظرون إلى حل المشكلات باعتبارها طريقة فعالة لتطوير المفاهيم والمهارات الرياضية. وهكذا، فإن المعلمين اليابانيين يستخدمون حل المشكلات ليس فقط في الدروس التي تركز على تطوير مهارات حل المشكلات واستراتيجياتها ولكن أيضا في جميع أنحاء المناهج الدراسية من أجل تطوير المفاهيم والمهارات والإجراءات الرياضية.
المقصود ببناء هيكلية لحل المشكلة: structured problem-solving approach
"بناء هيكلية لحل المشكلة" هو نهج تعليمي رئيسي في الرياضيات اليابانية. وقد صمم لتحقيق أمرين مهمين للغاية:
-       خلق اتجاه إيجابي في الرياضيات يعمل على التحفيز والنظر إليها من زاوية المتعة.
-       تحفيز النشاط الرياضي الإبداعي في الفصول الدراسية من خلال العمل التعاوني.
ويؤكد هذا النهج التعليمي على أن توفير أنشطة ملائمة لحل المشكلات يوفر للطلاب فرصا لإعادة اختراع الأفكار والمفاهيم الرياضية من قبل أنفسهم. وهذا هو السبب في أن الدروس عادة ما تستهل بعمل فردي لحل مشكلة وفق المعرفة الرياضية الخاصة بالطالب، وبعد أن إيجاد الحلول الفردية يتم البدء
بمناقشة الحلول المختلفة بصورة جماعية، من أجل مقارنة حل وأنواعها التي تم التوصل لها، وهو ما يوفر للطلاب فرصاً لتطوير قدراتهم الرياضية الخاصة بهم بما في ذلك، وبالتالي تطوير استيعاب مفاهيمي وإجرائي.
وقد خلصت الدراسات إلى أن منهج الرياضيات وفق "بناء هيكلية لحل المشكلات" يتمتع بثلاثة خصائص رئيسية، هي:
-       اختيار المشكلات بعناية من حيث تماسك العرض، وطريقة الصياغة، والأنشطة المصاحبة لها.
-       المناقشة المستفيضة.
-       التركيز على ممارسة استعمال السبورة.
أولاً: بالنسبة لاختيار المشكلات بعناية من حيث تماسك العرض، وطريقة الصياغة، والأنشطة المصاحبة لها:
عادة، ما يتم تصميم كل درس في الرياضيات حول حل مشكلة واحدة فقط لتحقيق هدف واحد في الدرس، أو الموضوع. ولذلك يعمد المعلم لاختيار المشكلة بعناية كنشاط لهذا اليوم. ومن النادر
أن ترَ درسا ًيضم مشكلتين أو أكثر، علماً بأن المعلمين قد يلجؤون لإعطاء الطلاب بضع مشكلات كامتداد للمشكلة الرئيسية أو تدريبات ترتبط بحل المشكلة الأساس. فعلى سبيل المثال فإن تطوير المفاهيم والمهارات لإيجاد مساحة الأشكال الأساسية، يجعل المقرر محتوياً على نشاطاً مصمم بحيث يتضمن إدخال مفهوم المقارنة المباشرة، والمقارنة الغير مباشرة، ومقارنة باستخدام وحدة عشوائية للقياس. وعادة ما يتم تصميم الصور بطريقة رياضية مستلهمة من حياة الطلاب اليومية من لمزيد من الألفة ورؤية الرياضيات في واقعهم.
وهذا التصميم المنظم بصورة متسلسلة للمشكلات والأنشطة في كل وحدة بعناية لتطوير المفاهيم والمهارات الرياضية تعتبر أساساً منهجياً في الرياضيات اليابانية.
ثانياً: بالنسبة للمناقشة المستفيضة:
في structured problem-solving approach فإن التأكيد على أن أهم أدوار المعلم خلال الدرس هو تسهيل النقاشات الرياضية بعد استعراض الحلول الفردية!! فعندما يقدم المعلم
مشكلة للطلاب من دون أن يعطي الإجراء الصحيح للحل، فمن الطبيعي أن تختلف أساليب الطلاب
في الحل. وحيث أن الهدف هو توظيف حل المشكلات لتطوير المفاهيم والمهارات الرياضية فإن الإشراف على مناقشة فاعلة يعد دوراً أساسياً للمعلم. وفي اللغة اليابانية فإن المصطلح الياباني الذي يطلق على المناقشة المستفيضة يحمل معنى مما تلميع الأفكار وجعلها مشرقة، وهو تعبير لطيف يلامس بعداً إبداعياً ولغوياً ورياضياً كذلك. وعليه فإن المعلمين بحاجة إلى خطة واضحة لتسيير المناقشة كجزء من خطط الدروس اليومية (التحضير). وهذه الحلول المتوقعة سوف تشمل الطرق ليس فقط الجيدة منها والتي تمثل كفاءة معرفية وإجرائية في الحل فقط بل تتجاوز ذلك إلى مناقشة الحلول الناجمة عن سوء الفهم لدى الطلاب. وهكذا نصل لدور آخر من أداور المعلم الياباني في المناهج المطوّرة وهو توقع أساليب حل الطلاب، والأخطاء الشائعة التي يمكن أن يقعوا فيها. وأحد مزايا تلك المناقشات هو جعل الطلاب يمتلكون رؤية عامة للحل وطبيعة تكوينه والتفكير فيه، وكثيراُ ما يطلب المعلم من طلابه التفكير فيما تعلموه خلال الدرس.
ثالثاً: التركيز على استعمال السبورة:

سمة بارزة أخرى من دروس الرياضيات اليابانية هو استخدام التعابير الرياضية، والأعداد، والرسوم على سبورة كبيرة الحجم!!
ويلخص لنا الباحثون كيفية استخدام المعلمين اليابانيين السبورة أثناء الدروس الرياضيات كالتالي:
1-              لتسجيل الدرس.
2-              تذكير لمساعدة الطلاب على ما يتعين عليهم القيام به والتفكير فيه.
3-              لمساعدة الطلاب على الربط بين أجزاء مختلفة من الدرس ولتطوير فكرة الدرس.
4-              للمقارنة بين الأفكار والحلول المختلفة أثناء المناقشة.
5-              للمساعدة على تطوير الأفكار وخلق أفكار جديدة.
6-              تعزيز مهارات الطلاب تدوين الملاحظات المنظمة عبر الاقتداء التنظيم الجيد.
وفي استعمال السبورة فإن المعلم الياباني لا يهتم فقط بعرض الحل الصحيح وتوضيح المبرر الرياضي الذي استند إليه فقط، بل إنه يعمد إلى تبرير مدى كفاءة كل حل ومنطقيته، وأيضاً استعراض العيوب أو العراقيل التي قد تحول دون الاستفادة منه. ولذلك فإن السبورة تبدو كوسيلة مساعدة بصرية للطلاب لمواصلة النقاش وتحفيزه مع مراعاة مستوى استيعاب الطلاب للرياضيات وكذلك مهارات الاتصال الخاصة بهم. ولذلك فإن استعمال السبورة يعد مهارة لا بد للمعلم الياباني من تطويرها والاهتمام بها، لذلك يتم إيلاء قدر من الاهتمام للتعاطي مع السبورة في تدريب المعلمين المهني.[2]
ومن الملاحظ أن نتائج الاختبارات الدولية التيمز TIMSSقد أثبتت فعالية لمنهج الياباني في تركيزه على هيكلية حل المشكلات، مع وجود مستوى صرامة وحذر في عملية المراجعات والتطوير للمناهج، وعادة ما يتم الاهتمام في المناهج اليابانية بالوصول للإتقان.كما يلاحظ كثافة المحتوى الياباني وتعدد محاوره.[3]
ومن النقاط المثيرة للاهتمام في عملية تطوير مناهج الرياضيات، هي الاهتمام بالبحوث الإجرائية لدى المعلمين اليابانيين، والتي تعد عاملاً فاعلاً في تطوير ممارساتهم والتأمل فيها، والعمل على تشاركية الأفكار والممارسات لتلك البحوث، وهي نقطة مهمة جداً، وقد تعرض ضعف الاهتمام بها في الولايات المتحدة للانتقاد مقارنة باليابان، وكان أحد الأسباب الرئيسية التي عزا فيها الباحثون ضعف الاداء التدريسي للمعلم الامريكي بسبب قلة التركيز على البحوث الإجرائية. ذلك أن البحث الإجرائي ينمي الحس البحثي العميق ويطور البنية النظرية للمعلم إلى ممارسة، وفي كثير من الحالات يدفعه البحث الإجرائي لتطوير بنية نظرية جديدة أو البناء على ما لديه مسبقاً. علاوة على ان البحث الإجرائي يجعل معلم الرياضيات أكثر وعياً ونقداً وملاحظة لما يقوم به، كما يطور مهارات انفعالية ووجدانية، وما وراء معرفية لديه. ناهيك عن رفع مستوى ثقته بنفسه والنظر لعملية التطوير المهني كمسئولية ذاتية لا تقل أهمية عن التطوير المهني من قبل المشرفين والقائمين في وزارات التعليم لأدائه التدريسي.
ولذلك فإن عملية تطوير المناهج اليابانية تعزى للنهج الجماعي والتعاوني في التطوير، ولارتباطه بالمجتمع والثقافة، ولتركيزه على حل المشكلات، مع استمرارية العمل، والدخول في دوامة التطوير والمراجعة المستمرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق