السبت، 23 أبريل 2016

الكتابة الرياضية مدخل للتعلم الفعّال


في تدريس الرياضيات للمرحلة المتوسطة هناك الكثير من العوائق التي تحول دون قدرة الطلاب على تعلم الرياضيات بصورة فعالة , فمن المعتقدات السائدة عن صعوبة المادة إلى الحساسية الشديدة ضد النقد أو تعليقات الآخرين – وهي مشكلة تظهر كثيراً في مرحلة المراهقة- إلى ضعف القدرة على التعبير ..الخ , وهذه المشكلات تؤدي غالباً إلى إنكفاء الطالب على نفسه ورفض التعلم أو المشاركة , وإذا علمنا أن معلمي الرياضيات غالباً لديهم مايسمى – متلازمة هلع إكمال المنهج – فإن حصص الرياضيات لا تخرج عن أن تكون ساحة صراع من اجل البقاء , فالمعلم يشرح لاهثاً والوقت يمضي والحصة قصيرة والطلاب كثر , ولاعزاء للضعفاء!!
ووفقاً لهذا السعار المحموم , غالباً ما تظهر على ساحة الصراع ثلاث فئات , الأولى : قوية مسيطرة بدعم من تفوقها الدراسي أو شخصيتها القيادية ؛ التي تناقش وتحاور وتسعى لنيل رضا المعلم , في حين تظهر الفئة المنافحة الثانية والتي تسعى للمشاركة على استحياء ؛ بسبب ضعف الأداء أو فقد الثقة , فيما تظل الفئة المهمشة وهم أولئك الطلاب الذين لايكلفون أنفسهم عناء المشاركة أو التعلم بسبب اللامبالاة أو العبث أو الصمت القاتل.
وكمعلمة رياضيات للمرحلة المتوسطة فإنني كنت أرى هذه الحرب الضروس والتي أوقدتُها دون أن أعلم , لكنني عاجزة عن التغيير ولا أرى أملاً يلوح في الأفق , إلاّ أن نظرة يائسة من إحداهن آلمتني كثيراً حين رفضت الإجابة عدة مرات , وأعلنتها صريحة " ماأقدر ياأستاذة" , كانت نظراتها حزينة وفي عينيها انكسار مؤلم خصوصاً بعد إجابة سريعة صاعقة ألقتها إحدى الجالسات من فئة الصراع الأولى لتؤكد على المزيد من التهميش لتلك الواقفة بيأس.
تحرك هرمون الادرينالين وكان لابد من إيقاف العدائية والتنمر الرياضي – إن صح التعبير -أوقفتُ حلقة النقاش وطلبت من الجميع دقيقة صمت لتدون كل طالبة إجابتها , على أن أتنقل بين الطالبات وأعطي كل طالبة رأيي في إجابتها على حدة , والحقيقة أن أغلب الاجابات اتسمت بالضعف العلمي ومجانبة الصواب ناهيك عن الأخطاء الإملائية الواضحة , لكنني عززت الجميع ووجهت كل طالبة على حدة , شيئاً فشيئاً , ومع مرور الوقت , وقفت تلك اليائسة وتحدثت وناقشت , بل وصارت تعترض وتطرح الأسئلة , وفيما كانت اليائسة تتطور رياضياً , ظهر ضعف بعض محاربات الفئة الأولى مساوياً تماماً لضعف الفئة اليائسة , وانقلبت الموازين لنتعادل كلنا في محراب العلم ..
ولأول مرة في حياتي أرى جميع طالباتي مشتاقات للحديث والنقاش في الحصة لأنهن قد كتبن إجاباتهن ورتبن ماسيطرحنه في النقاش مسبقاً , كن متلهفات لمروري بجوارهن واتسمت الحوارت هذه المرة بالصبر والهدوء والمزيد من الثقة , ولم تعد حصة الرياضيات ساحة صراع من أجل البقاء بل صارت حبلاً تمده كل طالبة لزميلتها لأنهن في النهاية يرغبن بأن تكون شروحهن الرياضية متميزة !! وبدأت حقبة جديدة تتعاون فيها الفئات الثلاث أثناء الكتابة الرياضية لتحقيق أفضل شرح ولجمع معلومات كافية لإدارة حلقة النقاش.
إن الحديث عن الكتابة كوسيلة فاعلة للتعلم ليس بالجديد وهو من أكثر وسائل التعلم فعالية على مستوى العالم , وتعتمد عليه الكثير من استراتيجيات التعلم النشط لرفع الأداء التحصيلي لدى الطلاب , كما أنه الوسيلة التعليمية الأكثر رواجاً لدى الدول الغنية والفقيرة على حد سواء , إذ تظهر العديد من التجارب العالمية في مجال الكتابة عموماً والكتابة الرياضية على وجه الخصوص , إلى  سطوة الكتابة في مجال التعليم , وقدرتها على رفع مستوى المنافسة في التعلم وخلق روح التعاون في العمل الجماعي , كما تدعم استبقاء المعرفة والغوص فيما وراءها , فيما يعرف بالمهارات الماوراء معرفية والتي يمكن للطالب من خلالها إمتلاك وسائل ذاتية للتعلم كالقدرة على التصنيف والتحليل والتقييم الذاتي , مع تطوير القدرات التعبيرية وزيادة الحصيلة اللغوية , ورفع مستوى الثقة بالنفس لدى الطلاب.
إن إعادة النظر في أساليب التدريس واستراتيجياته لتعويض الضعف الرهيب في أداء طلابنا وطالباتنا يجب أن يعطي للكتابة إحترامها ومكانتها اللائقة , كما فعل الشرق والغرب , بل وكما فعل أسلافنا العظام , فقد أنشدنا الإمام الشافعي - رحمه الله -  قائلاً :
العلم صيد والكتابة قيده     قيد صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة   وتتركها بين الخلائق طالقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق