بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

توجهات حديثة في تعليم وتعلم الرياضيات





ضمن إطار تحقيق تعلم فاعل للرياضيات، فإن الدول والمؤسسات والهيئات تتسابق لدعم الأداء التحصيلي للطلاب في مادة الرياضيات، كيف لا والرياضيات تُعد واحدة من أكثر التخصصات طلباً في العديد من القطاعات الاقتصادية، والمحرك الرئيسي للتطوير والتنمية، وخلق فرصة العمل، وتطوير قطاع الأعمال والصناعة، كما أن تطور العلوم الأخرى كالفيزياء وعلوم الأرض والكيمياء وغيرها يرتبط بصورة أو بأخرى بالرياضيات وتطورها، ولذلك فإن تطور الرياضيات يعني بالضرورة رفاه المجتمعات وتقدم الدول. وعليه فقد دأب التربويون على التفكير في تنمية الأداء الرياضي وتفعيله من خلال الاستفادة من معطيات العصر، فنجد أبحاث الدماغ والتطور التشريحي يقف جنباً إلى جنب مع علم النفس التربوي ونظريات التعلم وغيرها لتقديم توجهات مختلفة ومتنوعة لتفعيل تعلم وتعليم الرياضيات، بل وتجاوز الأمر ذلك إلى الاستفادة من تطبيقات مختلفة من تخصصات قد لا تبدو وثيقة الصلة بالرياضيات كعلم الإدارة مثلاً، أو علوم الأدب والفنون، ولذلك فإنه لا غرابه في أن يكون مجال تعلم وتعليم الرياضيات من أكثر المجالات التربوية ازدهاراً ونمواً. وسنلقي الضوء في هذه التدوينة وتدونات تليها، على ثلاثة توجهات حديثة لتعلم وتعليم الرياضيات وهي على الترتيب تعليم العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، التعليم باستعمال التقنية، الذكاءات المتعددة وأنماط التعلم وعلاقتها بالأهداف والمعايير والأنشطة ومصادر التعلم.
1-             تعليم العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (STEM) :
ظهرت الدعوة للتكامل في تدريس العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا، ضمن الدعوات الإصلاحية للتعليم في العقدين الماضيين، باعتبار أن تلك المواد تحديداً لا يمكن أن تنفصل عن بعضها البعض نتيجة الترابط الشديد في الأفكار والبنى وأساليب التطبيق الحياتية. كما أن سوق العمل في العالم أجمع صار يدفع باتجاه تدريب العاملين والموظفين في أغلب القطاعات على تلك المجالات الأربع. ذلك أن الدراسات والتقارير الاقتصادية تشير إلى أن معدل توظيف الحاصلين على مؤهلات دراسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات قد زاد بنسبة 3 أضعاف بشكل أسرع مقارنة بغيرهم من الحاصلين على مؤهلات في غيرها من المجالات، ويرجع سبب ذلك الاهتمام إلى أن الاستثمار في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يعطي عائدات اقتصادية مؤكدة أكبر على المديين الطويل والقصير، ومن المحتمل أن كل عامل في أحد مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يخلق حوالي 1,6 مليون وظيفة لغيره من العاملين في غير تلك المجالات، كما أن نظام التعليم باستعمال  STEMيوفر 1,7 مليون وظيفة للعاملين في هذا المجال التعليمي ما بين عامي 2011 و2015 وهو كما نلاحظ منظور تربوي اقتصادي سياسي يضمن الرخاء والتفوق العالمي للدول [1][2]، وعلى شبكة الانترنت توجد العديد من اللوائح والبيانات التي تشير بصورة تفاعلية إلى الوظائف المستقبلية الواعدة المرتبطة بهذه المجالات، والتي تُعد ضرورة مستقبلية للنمو الاقتصادي للدول والشركات الكبرى، كما هو الحال مع منظمة STEM education.org[3]  .
وليس هذا فحسب هو سبب الاهتمام بنظام التعليم STEM فالطلاب الذين يتعلمون وفق هذا المنحى التكاملي يحرزون تقدماً ملموساً في الاختبارات العالمية واختبار القدرات النظرية والتطبيقية. فعلى سبيل المثال تراجعت نتائج طلاب الولايات المتحدة الأمريكية من طلاب المرحلة الثانوية أمام نظرائهم في سنغافورة وهونج كونج واليابان نتيجة عدم انضباط تطبيق المعايير والتساهل في الاهتمام بالتوجه نحو التعلم التكاملي لتلك المواد الدراسية.[4]
ولهذا التوجه تعريفات متنوعة تصب في خانة التكامل بين تلك المجالات الأربع. فنجد أن Sanders تعرفه بأنه "تعليم يسعى إلى استكشاف التدريس والتعلم فيما بين أي اثنين أو أكثر من مجالات موضوع STEM و/ أو بين موضوع STEM وواحد أو أكثر من المواد الدراسية الأخرى".
فيما عرفته وزارة التربية والتعلم الأمريكية بأنه " أنه تلك البرامج التي يقصد بها أساساً توفير الدعم للعلوم، أو تعزيز العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات STEM في المرحلة الابتدائية والثانوية والمستويات العليا، بما في ذلك تعليم الكبار"، وأحد التعريفات اللطيفة الجامعة المانعة " أن STEM هو كل حقل يقع تحت مظلة العلوم والهندسة والرياضيات والتكنولوجيا كالكيمياء والفيزياء وحساب المثلثات"[5]
ويمتاز الطلاب الذين يدرسون وفق نظام التعليم STEM بارتفاع نسبة مهاراتهم في مجال التصميم والتكنولوجيا، كما تتوفر لديهم مهارات التفكير الاستنباطي والاستقرائي، ومهارات التفكير الناقد والإبداعي، والقدرة على حل المشكلات، والصبر على الممارسات البحثية والعمل المهني.[6]
وعليه فإن الطلاب الذين يتعلمون باستعمال نظام التعليم STEM هم يمتلكون ستة خصائص رئيسية تتمثل في :

وفي توجه لدمج الأدب والفن في تعليم STEM فقد تم تغيير المسمى إلى STEAM باعتبار أن الكتابة والنقاش ومتابعة الفنون والتصاميم تحوي جانباً فنياً لا يمكن إغفاله لإتمام العمل.
فعلى سبيل المثال عند التفكير في مشروع لتغليف الأطعمة وإطالة أمد حفظها فإن التخطيط للتدريس يشمل المفردات التالية لكل  مادة من المواد الدراسية التالية :
الرياضيات
الأحياء
الكيمياء
فيزياء
علم الأرض
نمذجة، نسب، حجوم, رسوم بيانية، إحصاء، أوزان وقياس
التحلل البيولوجي، المحللات، الكائنات الجهرية، القضايا البيئية، الهرمونات النباتية، تنظيم التكيف (الحرارة)
أحماض، قواعد، ترابط ذرات المادة، الحرارة ودرجة الحرارة، الطاقة الحركية للجزيئات، خصائص المادة، البوليمرات
الجاذبية، التسارع، الطاقة الحركية، الطاقة الحرارية، الطاقة الكامنة، قانون نيوتن، السعات والحجوم، انتقال الحرارة، المايكروويف
التعدين
التعليم الفني
الدراسات الاجتماعية
الأدب


العزل الحراري، عمل المايكروويف
تاريخ حفظ الطعام، تكنولوجيا التغليف والتعبئة
وصف السلاسل، كتابة التقارير، الخطابة العامة.


ويتميز التعليم STEM بأنه :
-  لا يرتبط بالأهداف بقدر ما يرتبط بالمعايير الخاصة بالنظام التعليمي السائد، وهذه المعايير حالياً تكاد ترتبط بما يُعرف بمعايير الجيل القادم، ذلك أن الأهداف تتحدد وفق المشروع المُقام وتخضع لتفاصيله. في حين أن المعايير أكثر اتساعاً ومرونة في للتوافق مع هذا النوع من التعليم. ومن المهم الإشارة إلى أن معايير الجيل القادم التي ظهرت في عام 2013، تهتم بالبحث عن جوهر التربية العلمية عموماً والروابط بينها التي تشمل الفيزياء والكيمياء وعلوم الأرض والهندسة وعلوم الفضاء، والرياضيات.[9]
- يحتاج لتخطيط طويل المدى وجهد مسبق للإعداد، وفي العديد من الحالات يتولى التخطيط للتدريس والإعداد له عدة مدرسين من عدة تخصصات مختلفة لضمان جودة العمل، ووضوح التفاصيل وتسلسل الإجراءات.
- يحتاج لمعامل وتجهيزات مادية وآلات وأجهزة كمبيوتر، وشبكة انترنت.
- تدريب خاص للمعلمين ومهارات تجمع بين التمكن العلمي، والبعد التربوي الذي يقوم على فكرة أن المعلم موجه عام ومشرف وليس مصدر للمعلومة.
-تقييم كمي ونوعي فاعل لأداءات الطلاب بما يحقق المرجو من العملية، ولذلك يبرز دور التقويم التكويني والختامي بصورة قوية في هذا التعليم.
- التخطيط المسبق للتدريس يتطلب تظافر الجهود الإدارية لتوفير وسائل المواصلات والحصول على الأذونات الخاصة بدخول منشآت أو للتواصل مع مسئولين وعلماء في مجالات معينة.[10]
- التعليم وفق STEM يمكن أن يكون ضمن إطار المنهج المقرر ووفق المعايير المحددة، بحيث يشمل وحدة متكاملة تتضمن المجالات الرئيسية الأربع وما يدخل في نطاقها، ويمكن أن يكون ضمن إطار المشاريع المدرسية بصورة منفصلة عن التعلم الأساسي في الحصص الدراسية، كما يمكن أن يكون ضمن البرامج الصيفية والمخيمات في إجازة نهاية العام، وفي كل حالة فإن التخطيط وأسلوب التنفيذ والمصادر والأداوت، يخضع لوضع مختلف عن الآخر، فما يرتبط بالمعايير الدراسية وأهداف التعلم بالنسبة لتنفيذ STEM ضمن المنهج الدراسي، سيكونه مختلفاً وأكثر مرونة في تحقيق المعايير والتخطيط فيما لو خضع للتنفيذ ضمن إطار البرنامج الصيفي.
ومن وجهة نظر ممارسة ميدانية، فإن تطبيق هذا النوع من أنواع التعليم قد يكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً في مدارس التعليم العام لدينا بسبب :
أ‌-                 ضعف التدريب للمعلمين.
ب‌-            عدم توفر المصادر الكافية لممارسة ميدانية، وعدم توفر المعامل المجهزة والأدوات والتقنيات اللازمة.
ت‌-            اكتظاظ الفصول، وطبيعة تصميمها.
ث‌-            الحاجة لتوعية الأهالي والحصول على الأذونات اللازمة لتجاوز حدود المبنى المدرسي الضيق والانطلاق لفضاء المجتمع الأرحب.
ج‌-              عادة ما تشترك المنظمات الأهلية والجامعات مع المبادرات رجال الأعمال في الخارج لدعم هذا النوع من التعليم، وذلك بسبب التكلفة العالية لهذا النوع من التعليم، إذ يحتاج لأكاديميين ومختصين، وتدريب ناهيك عن توفير المصادر والوسائل، ولذلك فإن هذه أحد العقبات التي قد تحول دون القدرة على تطبيق STEM في مدارسنا.
إذن لماذا نكلف على أنفسنا الاطلاع على هذه الأنواع وغيرها توجهات التعليم الحديثة؟!!
هذا ما ستتم مناقشته بعد عرض التوجهين الآخرين في تعلم وتعليم الرياضيات.



[4]
[5] بارعة خجا، ابراهيم المحيسن ( 2105) : التطوير المهني لمعلمي العلوم في ضوء اتجاه تكامل العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات STEM . بحث مقدم للمؤتمر الاول في التميز في تعلم وتعليم العلوم والرياضيات. جامعة الملك سعود ، الرياض.
[6] عبد الله أمبوسعيدي، أمل الشحيمية، أمل الحارثي ( 2015) : معتقدات معلمي العلوم بسلطنة عمان نحو العلوم والتقانة والهندسة والرياضيات STEM وعلاقتها ببعض المتغيرات. بحث مقدم للمؤتمر الاول في التميز في تعلم وتعليم العلوم والرياضيات. جامعة الملك سعود ، الرياض.
[8] المثال من منصة رواق : مادة تعليم القائم على المشروعات للدكتور عبد الله صالح غائب زيد. (2016)
[9] المرجع السابق
[10] [10] Micah Stohlmann Tamara J. Moore Gillian H. Roehrig (2012) : Considerations for Teaching Integrated STEM Education.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق